ننقل لكم في موقع كتاكيت موضوع (الحريات المطلقة تشعل «صدام الحضارات» )
نتمنى لكم الفائدة ونشكر المصدر الأصلي على النشر.
أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور محمد العيسى، أن الحريات المطلقة تهدِّد سلام عالمنا ووئام مجتمعاته الوطنية، ولا سيما إشعال صدام الحضارات، ونبّه إلى مُهددات الوئام بين الأمم والشعوب التي ظهرت أخيراً من خلال الاستفزازات الدينية من منطلق الحريات المنفلتة التي أساءت للمفهوم الجميل للحريات، ومنها حوادث حرق نُسخ من المصحف الشريف، وتابع قائلاً: «كثيراً ما تعالج السجالات الفكرية بالتفهم أو الاقتناع من خلال أركان الحوار وليس مجرد الحوار».
وأوضح الدكتور العيسى خلال محاضرة تذكارية في القاعة الكبرى لجامعة القاهرة بعنوان: «مستجدات الفكر بين الشرق والغرب»، أدارها رئيس الجامعة الدكتور محمد الخُشت، بحضور مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، وجمعٍ من العلماء والقيادات الدبلوماسية والفكرية ورؤساء الجامعات المصرية داخل القاهرة وخارجها، وعدد من أكاديميي الجامعة من عمداء وأساتذة، وعدد غفير من الطلاب، أنّ الفكر الإنساني يُمثل مساراً طويلاً، إِنْ في موضوعاته المتعددة، أو نقاشاتِه بمختلف مستوياتها، سواء أكان ذلك في القضايا الدينية، أم السياسية، أم الفلسفية، أم الثقافية، أم غيرها، ولذلك كان هناك إرث كبير من الأفكار، ومن ثم السجالات العميقة حولها.
ولفت إلى أن التراث الإنساني الفكري يُعد أخصب ما خلَّفته الذاكرة الإنسانية؛ إذ هو في معيار كتابة التاريخ الإنساني في المرتبة الثانية بعد الوقائع التاريخيَّة المتعلقة بالصراعات الحادة وفي طليعتها الحروب الدينية والسياسية، والفرق بينهما أنَّ «ما خلَّفته الوقائع التاريخية مِن صراعات حادة وحروب، إنما يُمثل مساجلات القوة الصلبة، بينما التراث الفكري المجرد يُمثل مساجلات القوة الناعمة، التي تخطو وتثب، ولكنها في نطاق حكمتها لا تتجاوز محورها المسالم، مهما تكن الحِدّة في السجال».
وعبّر عن أسفه لمن وقعوا في فخ الاستفزاز الديني والفكري، فسطّروا مقالات ومؤلفات مليئة بوحشي العبارات والاتهامات المجازفة، ليكشفوا عن مستوى متدنٍّ من الوعي، ويسيئوا إلى ما قد يكون لديهم من قضية عادلة.
وشدَّد الدكتور العيسى على ضرورة أن يلتزم المؤمن بالحكمة، والدفع بالتي هي أحسن، وأن يُعرض عن الجهلة، هذا في الجهلة فكيف بمن يملكون حُجة قد يكون لها في أقل الأحوال حظ من النظر؟! لذا من المهم أن يستذكر المرء دوماً أنه ليس معصوماً من الخطأ، ولا يُمثل الحقيقة المطلقة.
وأشار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، إلى أن الدِّين لا تجديد فيه، وإنما التجديد في الاجتهاد، وهو عملية إنزال النص الشرعي على الواقعة، التي تُسمى في اصطلاح علماء أصول الفقه بتحقيق المناط، موضحاً أن لكل زمان ومكان واقعاته التي يختلف بها مقصد النص؛ لأن شريعة الله جاءت لتحقيق مصلحة الدِّين ومصالح الدنيا بعيداً عن الأهواء.
وتابع: «الدِّين كامل لإكمال الله له، ولا تجديد فيه، إنما التجديد في تنوع الاجتهاد في القضايا الكبرى لمقتضياته الشرعية… أو أخذ الناس للدين بعد الغفلة عنه، وهذا هو المقصود بالحديث الشريف: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)».
وأوضح أن مفهوم تجديد الخطاب الديني يتحدث عن تغيّر الفتاوى والأحكام عند الاقتضاء والإمكان بتغيّر الزمان والمكان والأحوال، لافتاً إلى أن الفقهاء اجتهدوا باجتهادين، وضعوا في الأول قواعد الفقه المستمدة من نصوص الشريعة وفي طليعتها القواعد الخمس الكبرى، وجاء الثاني في الفروع الفقهية، وهذا لا بد أن تتوافر له الملكة الفقهية بدءاً من القدرة على استيعاب النص ومن ثم إنزاله على واقعته بما يتحقق معه مقصد الشارع وفق اجتهاد الفقيه بعد أن يبذل الوسع في ذلك، وتابع: «كما لا بد من التحرر من التبعية العمياء لأي اجتهاد… إنما بُني على ظرفيته الزمانية أو المكانية».
ونَبّهَ إلى أن الفقهاء السابقين لم يُلزموا أحداً باجتهادهم؛ لأنهم يعلمون أن الفقيه الحق هو من يحترم من سبقه لكنه يجتهد في سياقه المكاني والزماني، فالاستنباط والاجتهاد ليس قصراً على أحدٍ دون أحد، ولا زمنٍ دون زمن، ولا مكانٍ دون آخر.
وتابع الدكتور العيسى مؤكداً: «نعم الفقهاء لم يُلزموا أحداً باجتهادهم… والعكوف التام على نصوصهم السابقة دون النظر في لازم تغيُّر ظرفية المكلفين زماناً ومكاناً وحالاً يُحيل فقهنا الإسلامي العظيم إلى آيديولوجيا»، وقال: «نحن نفخر بفقهائنا ونعتز بفقههم وما أسهموا به من ثراء علمي لا نزال نستفيد منه بإعجاب كبير، لكن يجب ألا يتم التعامل معه كنص شرعي لا نخالفه»، وأضاف: «لا قدسية ولا عصمة إلا للتشريع الإسلامي، ولا يعني هذا الرفض أو التقليل من شأن فقهائنا السابقين، بل هم بمحل كبير وقد استفدنا منهم كثيراً وتتلمذنا على المدارس الفقهية، ولا نزال ننهل من معين فقهها الغزير الذي أصّل وقعَّد لنا فقهنا الإسلامي بما لا مزيد على تأصيله ولا حاجة لإتمامه».
وتطرّق لأبرز الملامح العامة والمتغيرات الفكرية التي طرأت بين الشرق والغرب ونقاط الاختلاف والالتقاء، لافتاً إلى أن المُستجدات بين الشرق والغرب تتعلق بجملة كبيرة من القضايا ذات الصلة الأكثر بالمفهوم المطلق والمجازف للحريات، الذي لا يقيم للدِّين ولا الفطرة الإنسانية أيَّ اعتبار، لكنه نبَّه في هذا الخصوص إلى أن قضية مهمة تتمثل في صعوبة القول إن الغرب كله يتفق مع جميع المستجدّات التي ينسبها الشرق للغرب؛ إذ إن الغرب اليوم هو في حقيقته متعدّد المفاهيم والأعراق واللغات والثقافات والتحالفات، مثلما الشرق متعدد في كل ذلك، وقال مؤكداً: «ليس الغرب واحداً في أفكاره وثقافته، ولا الشرق».
وقال إن أركان الحوار المثمر تكمن في الجدية والفاعلية وكفاءة المحاورين وتأثيرهم وأخلاقيات طرحهم وشفافيتهم بحيث تطرح كل القضايا بما فيها ذات الزوايا الحادة كما يُعبر عنها، ولا تُخفى للمجاملة، وإلا فسنعود بعد وقت قريب لمربعنا الأول؛ لأن المشكلة لم تُحل، ومن المهم قياس نتائج الحوار.
وقال إن «فشل كثير من الحوارات هو بسبب فقدان الحوار لمتطلباته التي ذكرنا»، وأضاف معلقاً أنه «من الأفضل أن يكون كل محاور متحدثاً بلغته الأم»، وأوضح أسباب ذلك، مبيناً أن «عدداً من الثغرات تم رصدها بسبب التحدث بلغة ليست اللغة الأم، وخاصة ما يتعلق بالوزن الثقيل للمصطلحات ومفهوم بعض التراكيب ودلالة الكلمات، وتحديداً في هذه السياقات العلمية والفكرية والفلسفية المعقدة والثقيلة جداً، إلا من كان على ثقة تامة بما يقول فهذا له شأن آخر، والمُحاور متى تحدث بلغته خرج من التبعات أياً كانت الترجمة، التي من المفترض أن تكون احترافية من خلال تأهيل وتدريب عالٍ تتحمل إدارة الحوار مسؤوليتها عنه، وكثيراً ما تضعف بعض الحوارات بسبب عدد من المحاورين عندما يتحدثون في تلك القضايا التي أعني هنا تحديداً، وهي القضايا العلمية والفكرية والفلسفية الثقيلة الوزن في مصطلحاتها».
وتابع أنه «لو لم يكن في التحدث باللغة الأم في المنصات الرسمية كمنظمات الأمم المتحدة ونحوها التي تتيح تعدد اللغة إلا الاعتزاز باللغة الأم ودعمها لكفى، علاوة على مهابة تبدو على من يتحدث بلغته الأم في تلك المنصات، وتحديداً كما قلت المنصات الدولية، أما فيما سوى ذلك فإن في الأمر سعة، بل أحياناً تكون المرونة مطلوبة، وخاصة متى كان الخطاب موجهاً لفئة معينة».
وبشأن مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية، نوّه الدكتور العيسى بالتطورات المهمة التي وصفها بـ«الاتفاق القِيَمي على مواجهة الكراهية والعنصرية»، ومن ذلك القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ الخامس عشر من مارس (آذار) يوماً عالميّاً لمحاربة رُهاب الإسلام أو ما يسمى بـ«الإسلاموفوبيا»، والذي صدر بموافقة جميع الدول الأعضاء بما فيها الدول الغربية.
واختتم الدكتور العيسى محاضرته بالقول: «الحل مع السجالات الفكرية يَكمن في الحوار بشروطه سالفة الذكر للوصول إلى نقاط التقاء بالتفاهم أو القناعة بحسب الموضوعات، وذلك من خلال المؤسسات الرسمية سواء الحكومية أو الأهلية، ومن ذلك مراكز الأبحاث والفكر والجامعات وكبرى المؤسسات الأكاديمية، وكذلك عبر منصات الأمم المتحدة كمنظمة تحالف الحضارات»، متحدثاً في هذا الخصوص عن مبادرة: «بناء الجسور بين الشرق والغرب» التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع الأمم المتحدة، والتي تتجاوز المُعاد والمكرر من الحوارات غير المجدية، إلى خطوات عملية جادة قائمة على التفاهم المتبادَل من خلال حوار فاعل ومثمر يضع لبنات الجسور بين الطرفين فيما يمكن التبادل حوله، «وهو كثير وكافٍ في مواجهة نظريات صدام الحضارات، وكافٍ كذلك في تعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم المتحدة، وقد عبَّرنا بالشرق والغرب هنا بالرغم مما ذكرنا من التفصيل، وذلك جرياً على المصطلح السائد».
وعلق مفتي الديار المصرية على المحاضرة بقوله: «لقد قدمت المحاضرة خريطة طريق لتصحيح مسار الفكر الديني»، بعد ذلك تسلَّم الشيخ الدكتور محمد العيسى، الدرع الذهبية من رئيس جامعة القاهرة، بهذه المناسبة.
موقع كتاكيت موقع منوع ننقل به أخبار ومعلومات مفيدة للمستخدم العربي. والمصدر الأصلي هو المعني بكل ما ورد في مقال الحريات المطلقة تشعل «صدام الحضارات»
اكتشاف المزيد من موقع كتاكيت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.