كيف أعاد بوستيكوغلو الأمل إلى جماهير توتنهام؟

ننقل لكم في موقع كتاكيت موضوع (كيف أعاد بوستيكوغلو الأمل إلى جماهير توتنهام؟ )
نتمنى لكم الفائدة ونشكر المصدر الأصلي على النشر.

قبل بضع سنوات، وفي الوقت نفسه الذي بدأ فيه الناس يشعرون بالحماس الشديد تجاه أشياء مثل صافي الإنفاق وإحصائية الأهداف المتوقعة، ظهرت مدرسة فكرية جديدة تحدت الشكل التقليدي لأداء كرة القدم، وزعمت أن هناك مبالغة كبيرة في تأثير المدير الفني على الفريق. وكانت هذه الفلسفة ترى أن أفضل اللاعبين هم من يساعدون الفرق على تحقيق الفوز، وأن التعاقد مع أفضل اللاعبين يتطلب أموالاً طائلة، وبالتالي فإن فاتورة أجور النادي أصبحت مؤشراً يمكن الاعتماد عليه لقياس نجاح الفريق وليس المجهود الذي يبذله المدير الفني.

ووفق هذه الرؤية، فإن عصر المدير الفني القوي – صاحب الرؤية الشاملة الذي يشرف على كل شيء، بدءاً من الخطط الفنية والتكتيكية مروراً بالمفاوضات المتعلقة بعقود اللاعبين، ووصولاً إلى الاهتمام بدرجة حرارة المياه في حمامات غرف خلع الملابس في ملاعب المنافسين – قد ولى. لقد تحول مركز ثقل واهتمام كرة القدم بعيداً عن مكتب المدير الفني، واتجه بدلاً من ذلك إلى المدير الرياضي، والطاقم الطبي، ومجلس الإدارة، ولجان التسويق. وعلى هذا الأساس، فإن تركيز اللعبة الدائم على المديرين الفنيين ــ الحديث عنهم، والاستماع إليهم، والتعاقد معهم، وإقالتهم ــ قد عفا عليه الزمن، بعدما تغيرت الطريقة التي تدار بها اللعبة نفسها. وتمت كتابة الكثير من المقالات الأكاديمية الصارمة والشاملة حول هذا الموضوع، وجرى تأليف كتب طويلة ومملة ومليئة بالبيانات، بل جرى شراؤها في بعض الأحيان!

وأصبحت نظرية تراجع أهمية الدور الذي يلعبه المدير الفني منطقية للغاية، وأوضحت الأسباب التي تجعل مديراً فنياً يحقق نجاحاً كبيراً مع أحد الأندية ثم يفشل فشلاً ذريعاً مع نادٍ آخر. والأهم من ذلك كله، يبدو أن ذلك يفسر كيف يمكن لمدير فني مثل زين الدين زيدان أن يقود أحد أغنى الأندية في العالم للفوز بثلاثة ألقاب في دوري أبطال أوروبا دون أن يبدو أنه يفعل أي شيء على الإطلاق!

لكن كما هي الحال مع كثير من النظريات، كانت هناك فجوة كبيرة في هذه النظرية؛ فالأمر في الأساس يتعلق بمدى رؤيتنا المعنى الحقيقي والهدف النهائي من كرة القدم، فهل نحن نشاهد كرة القدم للاستمتاع بالأداء أم لأنها أصبحت مجرد طقوس اعتدناها؟ وهل كرة القدم في المقام الأول عبارة عن وجهة أم رحلة؟ وهل يتم تحديد الأمور من خلال الفوز والهزيمة، أم من خلال المشاعر التي تخلقها على طول الطريق؟ إنني أطرح كل هذه الأسئلة من أجل إلقاء الضوء على شيء مهم وهو أن المدير الفني لتوتنهام، أنجي بوستيكوغلو، مدير فني رائع.

وإذا كنا في الواقع نؤيد النظرية القائلة بأن تأثير المدير الفني على اللعبة أصبح هامشياً، فهذا يعني أنه لا يوجد أي مدير فني بارز في العالم! ربما يمكن استثناء جوسيب غوارديولا ويورغن كلوب من ذلك، ثم يأتي بقية المديرين الفنيين بدرجات ومستويات مختلفة من الكفاءة. ويبدو أن مسيرة بوستيكوغلو التدريبية، بدءاً من أستراليا مروراً باليابان ووصولاً إلى اسكوتلندا، كانت تتأرجح بين فترات من الأداء المتوسط وفترات من النجاح الواضح. ومن الناحيتين الفنية والتكتيكية، يبدو أنه يعرف جيداً ما يفعله. لكن هذه هي الحال بالنسبة للجميع تقريبًا هذه الأيام!

وهذه هي الصعوبة المستعصية في محاولة تقييم قيمة أي مدير فني. ففي عصر يلعب فيه الجميع تقريباً بنفس الشكل القوي والسريع الذي يعتمد على الضغط الشرس على المنافسين، وترسل فيه جميع الأندية كشافيها إلى نفس الأماكن، وتعتمد تقريباً على نفس المجموعة من البيانات، وتمتلك جميعها ملاعب تدريب نظيفة وحمام سباحة للعلاج المائي، فما الشيء المختلف الذي يمكن للمدير الفني المميز أن يفعله؟ ربما يتلخص الأمر، إلى حد كبير، في فن بيع وشراء اللاعبين، والتواصل بشكل جيد، وإلقاء الخطب والكلمات الحماسية لتحفيز اللاعبين، والعلاقات الشخصية، بالإضافة إلى التأثير على مشاعر الآخرين.

سأكون صادقًا وأقول إنني لم أفهم حقاً بوستيكوغلو عندما وصل إلى إنجلترا. لقد كان مثيراً للإعجاب للغاية في المؤتمرات الصحافية، كما قاد نادي سلتيك لتقديم كرة قدم ممتعة وجذابة رغم الفشل المستمر على المستوى الأوروبي، ويبدو أن جاذبيته الهائلة في كثير من الأحيان تنبع من الطريقة التي يتصرف بها أكثر من أي شيء حققه بشكل ملموس. لقد استغرق الأمر بعض الوقت لكي أدرك قيمة العمل الذي يقوم به هذا الرجل مع توتنهام، رغم ضعف احتمالات فوز هذا النادي بالبطولات، ورغم أنه سيكون هناك دائمًا ما لا يقل عن 6 أندية أكثر ثراءً منه. في الحقيقة، لم يكن توتنهام بحاجة إلى مدير فني صارم آخر أو إلى رجل عابس الوجه يتصرف كأنه يسدي معروفاً للنادي دائماً، بل كان بحاجة إلى رجل يعمل بكل جدية وإخلاص وصبر مثل بوستيكوغلو.

وعندما يتحدث بوستيكوغلو فإنه يجبرك على الاستماع إليه بكل انتباه. ربما كان من المفيد له أنه نشأ خارج فقاعة كرة القدم الأوروبية ولغتها المتداولة المحفوظة، وبالتالي فإن ما يقوله يبدو جديداً وخالياً من العبارات والإكليشيهات التقليدية. إنه يمزح بعبارات قصيرة سهلة الفهم، ونادراً ما يقول كلمة بلا معنى أو هدف معين، وغالباً ما يستخدم التباين من أجل إحداث التأثير المطلوب. وقال عن جماهير توتنهام في نهاية الأسبوع: «لقد عانوا من الألم بما يكفي، ويستحقون بعض السعادة». إنه يبدو مثل أفضل الدعاة ورجال الدين، فالإيمان والمعاناة يأتيان في قلب رسالته. إنه يفهم جيداً قوة التنافس من خلال العمل مع سلتيك والمنافسة الشرسة مع رينجرز. لقد أعرب عن عدم سعادته بتقنية الفار وقال: «إنها تدمر تجربة كرة القدم»، كما انتقد إحصائية الأهداف المتوقعة، وهو يؤكد على أصالته. إنه يستخدم كلمة «رفيق» كثيراً، ويتحدث عن تخيله لما يجب أن يكون عليه فريقه، وعن حلقات البودكاست التي يستمع إليها، وعن الأفلام التي يشاهدها في السينما مع أطفاله. إن الرسالة التي يبعث بها للآخرين تتخلص في الآتي: انظروا، أنا مثلكم تمامًا، وأعرف أنكم تعانون، لكنني أعمل بكل قوة على تحسين الأمور، فلنعمل معاً من أجل تغيير هذه الأوضاع!

بوستيكوغلو يُظهر أهمية الاستمتاع بالمسيرة حتى لو لم تتحقق الأهداف (رويترز) Cutout

ومؤخراً قال دانييل ليفي رئيس توتنهام‭‬ إن تعيين جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي لتدريب الفريق كان «خطأً»، مضيفاً أن فريقه المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم «احتاج للعودة إلى جذوره» مع المدرب الجديد بوستيكوغلو. وأضاف ليفي: «(مورينيو وكونتي) مدربان كبيران لكن ربما ليس لهذا النادي. نريد اللعب بطريقة معينة، وإذا كان يعني ذلك وقتاً أطول لتحقيق الفوز فربما يكون هذا من المناسب لنا. هذا سبب تعاقدنا مع أنجي. هو قرار صائب للغاية من وجهة نظري».‬‬‬

سيكون لدى توتنهام دائماً الدخل واللاعبون الذين يمكنهم إنهاء الموسم بالقرب من المراكز الستة الأولى. لكن بوستيكوغلو لخص الأمر تماماً عندما قال: «لا يتعلق الأمر دائماً بالغاية فقط، فليس هناك مانع من الاستمتاع بالرحلة». وفي هذه الأيام فإن ما يسعى المشجعون له قبل أي شيء هو الشعور بالانتماء، والمشاركة العاطفية في لعبة تخلت عنهم إلى حد كبير. وهنا يأتي دور المدير الفني. لقد أصبحت كرة القدم مكاناً مظلماً ومربكاً وفاسداً، وهناك نقاط سلبية في كل مكان تنظر إليه. لكن ها هو بوستيكوغلو يضع ذراعه على كتفك، ويخبرك بأن الأمر سيكون على ما يرام. وفي لعبة لم يعد لها غاية واضحة، ربما يكون الاستمتاع بالرحلة هو كل ما تبقى!

*خدمة «الغارديان»


موقع كتاكيت موقع منوع ننقل به أخبار ومعلومات مفيدة للمستخدم العربي. والمصدر الأصلي هو المعني بكل ما ورد في مقال كيف أعاد بوستيكوغلو الأمل إلى جماهير توتنهام؟