الروائي العماني محمد اليحيائي: شخصيات روايتي أعطبتها الحرب

ننقل لكم في موقع كتاكيت موضوع (الروائي العماني محمد اليحيائي: شخصيات روايتي أعطبتها الحرب )
نتمنى لكم الفائدة ونشكر المصدر الأصلي على النشر.

قبل أيام، حصل الكاتب والروائي العماني الدكتور محمد اليحيائي، على جائزة «كتارا» للرواية العربية، عن روايته «الحرب»، وهي التجربة الروائية الثانية، بعد روايته «حوض الشهوات»، وسبق أن صدرت له خمس مجموعات قصصية: «خرزة المشي»، و«يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها»، و«طيور بيضاء، طيور سوداء»، و«نزهة مارشال»، و«البيت والنافذة». واليحيائي كاتب وإعلامي خليجي بارز، وهو أيضاً مصور وصانع أفلام. له اهتمام بالتاريخ العماني وانعكس ذلك على روايته وعلى العديد من أعماله الأدبية والكتابية، ومثلما برزت أعماله الأدبية فإنه ترك إثراً ملموساً عبر تحقيقاته الصحافية.

هنا حوار معه:

(*) حصلتَ أخيراً على جائزة «كتارا» للرواية العربية عن روايتك «الحرب»… ماذا يعني لك الفوز بالجوائز الأدبية؟

– يعني أن دائرة قراء الرواية تتسع، وتتسع بالتالي دائرة قراء أعمالي اللاحقة، وهذا يضعني أمام مسؤولية الاستمرار في الكتابة وفي تجاوز ما كتبت. لا شك، للجوائز الأدبية أهميتها، لكنها أهمية مستمدة من قيمة العمل الذي يمنح الجائزة، وهي أهمية لا تمضي في خط تصاعدي، إنما متأرجحة، فتارة تُمنح لعمل أو لكاتب متحقق فنياً وإبداعياً، وتارة، ولدواع وحسابات لا علاقة لها بالعمل الإبداعي أو الفني، تمنح لأعمال أو لأسماء أقل قيمة وأهمية وحضوراً، ولنا في أهم الجوائز الأدبية (نوبل للأدب) مثالاً، ففي الأعوام الأخيرة تأرجحت بين أسماء لها مكانتها الأدبية البارزة وأخرى ليست كذلك؛ بين الكندية أليس مونرو (نوبل 2013) التي تعد واحدة من أعظم كتاب القصة القصيرة في العالم، والمغني وكاتب الأغاني الأميركي بوب ديلان (نوبل 2016) الذي لا تربطه بالأدب سوى بضعة أشعار غنائية، وبينهما الروائي الفرنسي البارز باتريك موديانو (نويل 2014)، وكاتبة التحقيقات الصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفش (نوبل 2015).

(*) ماذا بشأن الجوائز الأدبية العربية؟

– الجوائز الأدبية العربية لديها مشكلاتها بالتأكيد، ولعل بعضها يعاني من مشكلات تتعلق بالسياسات، وبطريقة الإدارة، وبطريقة اختيار لجان التحكيم، وبهامش استقلالية هذه اللجان عن قرارات مؤسسة الجائزة. لكنني سعيد بحصول رواية (الحرب) على جائزة «كتارا» للرواية العربية هذا العام، وهي جائزة تدفع بمكانتها قدماً على مدى السنوات التسع الماضية، وإن كانت تعاني من بعض العثرات التي أتمنى تجاوزها في الدورات المقبلة.

(*) «الحرب» هي روايتك الثانية، بعد رواية «حوض الشهوات»… وكانت قد صدرت لك خمس مجموعات قصصية. هل تمنحك الرواية فضاءً أوسع مما توفره القصة؟

– الإجابة المباشرة نعم، الرواية تمنح الكاتب ذلك الفضاء الأوسع للتعبير ولقول ما لا يتسع له فضاء القصة القصيرة، لكن المسألة لا تتعلق بالفضاء وحده، إنما بالفن؛ لأن القصة والرواية فنان أدبيان مختلفان، ولكل منهما أدواته ولغته وحساسيته. الانتقال من القصة إلى الرواية لا يتعلق بما تمنحه الأخيرة من مساحة أوسع للتعبير فحسب، إنما من مساحة (اللعب الفني) ومساحة المغامرة السردية، الرقص مع الضمائر، الذات والآخر، الـ(هو) والـ(نحن) والـ(هم)، مغامرة تهشيم الزمن، وإعادة بنائه، وحرية الدوران حول الجغرافيا، وهي مساحات يصعب على القصة القصيرة تقديمها.

الرواية والتاريخ

(*) تتناول روايتك جانباً من تاريخ عُمان، ولديك كتاب تاريخي باسم (نظام الحكم في عُمان من إمامة الانتخاب إلى السلطنة الوراثية)، هل تستخدم الرواية لتقديم قراءة تاريخية لأحداث عُمان؟

– كل كتابة هي نصّ تاريخي. لكن الرواية ليست وثيقة تاريخية. الرواية تنهض على الحدث التاريخي. لا توجد رواية لم تنهض على حدث تاريخي. كل ما هو (كان) هو حدث تاريخي. (الحرب) مثل (حوض الشهوات) أخذت من تاريخ عُمان، ومن تاريخي الشخصي؛ من تاريخ عائلتي، وتاريخ من عرفت والتقيت بهم، ومن الأحداث التي شهدتها عُمان في ماضيها البعيد والقريب، مادة لتشييد عالم آخر جديد، فضاء للسرد، لكن هذين العالم والفضاء ليسا محاولة لتقديم قراءة تاريخية، إنما محاولة لكتابة تاريخ مواز، تاريخ البلاد والناس، محاولة تأخذ من الحدث التاريخي أو من الشخصيات التاريخية قبضة طين تُعجن بماء الخيال لتصبح ما ستصبح عليه في الرواية؛ عوالم وكائنات وأحداث وتواريخ جديدة. أنا مهتم بالتاريخ إجمالاً، وبتاريخ عُمان على نحو أخص، ودارس للتاريخ، وأظن أن تاريخنا مادة خام لم نحسن، حتى الآن، توظيفها في أعمال أدبية وفنية، بما في ذلك المسرح والسينما، لكن من المهم التنبه إلى أن الحدث التاريخي أو الشخصية التاريخية وحدهما لا يكفيان لكتابة رواية أو إنتاج عمل فني، بل ربما يكون التاريخ معيقاً لذلك، إذا لم نمتلك القدرة على نقد التاريخ ومساءلته، وإذا لم نمتلك حرية الخيال في تهشيم المقدس في تاريخنا وفي ماضينا وجعله عادياً، بل مادة للعب.

(*) رغم أن الرواية تتناول جوانب تاريخية وسياسية متشابكة شهدتها عُمان بين عامي 1913 حتى تاريخ نهاية ثورة ظفار 1975، فإنها أجادت توظيف (ثيمة) «الحبّ» ليبرز من بين الصراعات المحتدمة التي خاضتها الرواية… كيف وظفّت هذه الثيمة في روايتك؟

– الحب هو العصب المتوتر في حياتنا، من غيره تبدو الحياة مملة، وليست جديرة بالعيش. الحب أيضاً حرب، حرب تخاض من أجل بقاء الحب وانتصاره. شخصيات الرواية (عيسى صالح) التي أعطبتها الحرب، وحولتها إلى كائن تلاحقه الأشباح والهواجس والتوهمات، كان يتعلق بالحب لينجو من الحرب. (كرستينا سعيد) التي وضعتها الحرب على الطرف الآخر حيث الحياة أكثر نعومة، كانت تبحث عن الحب من دون أن تجده إلا في أحلامها، والحال ذاته بالنسبة لـ(سعيد قيصر). العلاقة بين الحرب والحب في هذه الرواية ليست جناساً لغوياً، لكنه في نسيج العمل. الحب والحرب حاضران في مفاصل عديدة من الرواية. حب الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان وحربها من أجل العودة من المنفى إلى الوطن. حب خليل زاهر لحياة المتعة والبذخ وحربه من الخلاص من ذاكرة القبيلة وهكذا.

(*) هل يمكن القول إن الرواية شهدت إسقاطات من حياتك… أنت عشت في أميركا وأنت صانع أفلام في حين أن عوالم الرواية تنتقل بين ظفار وواشنطن من خلال السارد الرئيسي سعيد قيصر وصديقته العمانية كريستينا سعيد الأستاذة بجامعة جورج تاون، ويصادف أن قيصر تلقى دورة دراسية بمعهد واشنطن للأفلام؟

– لا ينطبق قول عروة بن الورد: (أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ)، على أحد قدر انطباقه على كاتب الرواية، فهو يمنح كل الشخصيات شيئاً من نفسه، من طفولته ومن ذاكرته. قد تأخذ إحدى الشخصيات قدراً أكبر من ذات صانعها – كما هو بالنسبة لسعيد قيصر – وقد تتقاطع تواريخ الشخصية مع توريخ كاتبها (صدفة)، لكنها بالتأكيد ليست تاريخ الكاتب. ثمة إسقاطات من حياتي في أكثر من شخصية من شخصيات الرواية، لكن هذه الإسقاطات لا يعرفها أو يتنبه لها إلا من يعرف حياة الكاتب.

· الرواية في عُمان

(*) كيف ترى الرواية في عُمان من حيث النضج؟ رغم عمرها القصير، برزت تجارب من بينها: جوخة الحارثي فازت بجائزة «مان بوكر» عام 2019 عن الترجمة الإنجليزية لروايتها «سيدات القمر»، وفازت عام 2021 بجائزة الأدب العربي في فرنسا عن الترجمة الفرنسية للرواية نفسها، ووصلت رواية «سر الموريسكي» لمحمد العجمي للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2021، وفازت رواية بُشرى خلفان «دلشاد» بجائزة «كتارا» عام 2022، ووصلت في العام نفسه إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية، وحصلت رواية زهران القاسمي «تغريبة القافر» على «البوكر» 2023، كيف تراها أنت؟

– عمر الرواية في عُمان ليس قصيراً، أول رواية صدرت في منتصف ستينات القرن الماضي، (ملائكة الجبل الأخضر) لعبد الله الطائي، وخلال عقدي الثمانينات والتسعينات صدر العديد من الأعمال الروائية لكتاب عمانيين لم يقدر للمتلقي العربي معرفتهم بسبب ضعف النقد، وضعف الحضور الإعلامي والتسويق الجيد. حصول جوخة الحارثي على جائزة «مان بوكر» عام 2019 عن الترجمة الإنجليزية لروايتها (سيدات القمر)، نقل التجربة الروائية في عُمان من الهامش إلى المركز، أو من الظل إلى الضوء، وبات ما يكتب وينشر لروائيين عمانيين تحت أنظار النقاد والقراء على السواء، ولأنها تجربة لها تاريخها وامتداداتها البعيدة، ولها ذاكرتها الاجتماعية والسياسية العميقة، ولها قبل ذلك، نضجها الفني، فقد كانت الرواية العمانية منافساً قوياً في جوائز الرواية العربية كما حصل في الأعوام الأخيرة. خارج قيود الجغرافيا وحسابات السياسة وضعف المؤسستين الإعلامية والثقافية، عُمان، ثقافياً، مركز عربي حضاري ثقيل ومهم. والكتاب، الروائيون وكتاب القصة والشعراء، هم من أعادوا موضعة هذا البلد في مكانته الحقيقية والتي تليق به وبتاريخه، ووحدهم، كما أظن، من سيواصل هذا العمل.

(*) كان لك نشاطات ثقافية واسعة في عمان، بينها تأسيس أسرة كتّاب القصة، وإدارة النادي الثقافي، ورئاسة مهرجان مسقط للشعر العربي وغيرها… كيف ترى المشهد الثقافي في عُمان خاصة بعد إطلاق الاستراتيجية الثقافية؟

– مشكلة العمل الثقافي في عُمان أنه غير مؤسسي حتى الآن. يأتي أفراد إلى المؤسسة الثقافية، لديهم رؤيتهم واهتماماتهم ورغبتهم في إطلاق مبادرات ثقافية جادة، لكن تلك المبادرات لا تصبح جزءاً من عمل المؤسسة أو من سياستها ورؤيتها، وعندما يرحلون ترحل معهم مبادراتهم. لا يوجد بناء على ما سبق، وكأن على من يأتي أن يتخلص من إرث من سبقه. المشهد اليوم غير واضح الملامح، لكنني آمل أن يحمل المستقبل رؤية وسياسات أفضل، لا سيما مع البدء في إنشاءات مركز عمان الثقافي الذي تأخر أكثر من ربع قرن.

(*) عملت طويلاً في الصحافة، ولديك قصص إخبارية بارزة، نذكر منها حوارك مع القذافي، وتحقيقك المهم عن معاناة اللاجئين في دارفور، وغيرهما… ما الإضافة التي تمنحها الصحافة للعمل الأدبي؟

– إذا كان من إضافة فهي ترهيف إحساس الكاتب المشتغل بالصحافة بهموم وقضايا ومشكلات الإنسان العادي، وتعميق ارتباطه بالشأن العام. الصحافة تفتح للكاتب نوافذ أعرض لمعرفة قصص الناس البسطاء، هؤلاء الذين لم تمكنهم ظروفهم من البقاء على سلم الصعود، فسقطوا أسفله، وبقوا يناضلون تحت أقدام الصاعدين، من دون أن يلتفت إليهم أحد. إنما، في المقابل، العمل الصحافي، ولا سيما صحافة التلفزيون، يستهلك من الوقت والجهد الذهني ما يجعل الكتابة مهمة شاقة، وإدارة الوقت مهمة صعبة. تعلمت من الصحافة الكثير، وما زلت اتعلم، لكني أشعر أن الوقت قد حان لأن تكون الكتابة مشروعاً جديراً بوقت أكبر.

(*) هل يتعيّن على الصحافي أن تكون له رسالة إنسانية، كقيمة لازمة لعمله أم أن ذلك يعرضه للسقوط في الآيديولوجيا؟

– في الأحوال الطبيعية، الصحافة وسيط، ناقل للخبر وللمعلومة، ورسول يفترض فيه الصدق والأمانة، لكنها في أوقات الأزمات، عندما تنتهك وتصادر حقوق الناس، حين تغيب العدالة، وعندما يشن الأقوياء حروبهم، العسكرية والثقافية والاقتصادية، على الضعفاء، فإن الصحافة تصبح موقفاً منحازاً للضعيف ضد القوي، وللمنتهكة حقوقهم ضد المستبدين والطغاة. لا يمكن أن تقف على الحياد بين الظالم والمظلوم، القاتل والضحية.

بوصفي إنساناً أولاً، وصحافياً وكاتباً ثانياً، لا يمكنني الصمت أمام عذابات الإنسان باسم الحياد والموضوعية. سأكون موضوعياً حين يكون الصراع بين طرفين متساويي القوة ويمتلكان الأدوات نفسها، عدا ذلك، فعليّ أن أنتصر لإنسانيتي، لأن الإنسانية تعني الكرامة.


موقع كتاكيت موقع منوع ننقل به أخبار ومعلومات مفيدة للمستخدم العربي. والمصدر الأصلي هو المعني بكل ما ورد في مقال الروائي العماني محمد اليحيائي: شخصيات روايتي أعطبتها الحرب