ننقل لكم في موقع كتاكيت موضوع (أيام على الأوسكار… تنتقل بين الواقع والخيال وبعض الأزمنة )
نتمنى لكم الفائدة ونشكر المصدر الأصلي على النشر.
تنطلق حفلة توزيع جوائز الأوسكار في دورتها الـ96، مساء الأحد المقبل (10 مارس- آذار الحالي)، لتتبلور التوقعات على نحو أكثر تحديداً من ذي قبل.
إحدى أهم الجوائز الممنوحة كل سنة هي تلك الخاصّة بالسيناريو في قسميه المقتبَس من وسيط آخر والمكتوب خصيصاً للسينما.
في النطاق الأول لا بدّ من القول إن فيلم «أوبنهايمر» واجه ما توقعناه من انقسام النقاد والرأي العام معاً. هو فيلم ممتاز ومتميّز بالنسبة إلى المؤيدين، وفيلم لا يفي الحقيقة دورها عند المعارضين. وعند عدد كبير من المشاهدين العرب دعاية يهودية.
معظم تلك التعليقات بُنيت على الرأي لا على المعرفة. الفيلم من النوع الذي لا تكفي مشاهدته مرّة واحدة للحكم له أو عليه، بل يتطلّب الأمر قراءة السيناريو الذي كتبه المخرج كريستوفر نولان، والذي هو من بين السيناريوهات الخمسة المتسابقة في قسم «أفضل سيناريو مقتبَس».
المصدر الذي اعتمد عليه نولان أكثر من سواه هو كتاب كاي بيرد ومارتن شرين المعنون «انتصار ومأساة ج. روبرت أوبنهايمر» المنشور سنة 2005 حول مخترع الذرة أوبنهايمر (1904-1967).
خطوط متوازية
تقودنا قراءة السيناريو ومشاهدة الفيلم إلى استنتاج أوّلي سريع، وهو أن الفيلم بُني بالفعل على أساس كتابة موسوعية شاملة تضع ما ورد في ذلك الكتاب على شكل مَشاهد. في قراءة أعمق فإن ما يختلف هي حرية الكاتب/المخرج في الانتقال بين الأزمنة المختلفة وتلوين شخصياته بمواقف ذات خيارات صعبة. هذه بدورها مستوحاة من الكتاب وإن كانت لا تتَّبع الترتيب الزمني الوارد فيه. هذا أيضاً شأن السَّردَين الأدبي والفيلمي من حيث إن الأول اتَّبع منهجاً متوالياً من دون قفزات زمنية أو جانبية، على عكس ما عمد إليه السيناريو والفيلم من بعده.
ملاحظة ثانية هي أن السيناريو والفيلم يبدآن متقاربين ويستمران على هذا النحو ما يدلّ على أن الكثير من التغييرات الحاصلة في الفيلم وقعت، غالباً، حين التوليف. هذا مثل تقديم لقطة على أخرى تحمل ترتيباً مختلفاً في السيناريو أو حتى مشهد على مشهد.
في مجمله، وإذا ما كنّا نريد الحديث لغوياً حسب مفردات السينما، هذا أعقد وأصعب سيناريو بين كل تلك المتقدّمة للتنافس في هذا القسم.
الأفلام الأربعة الأخرى المتنافسة على هذا الأوسكار هي: «باربي» (Barbie) من كتابة نُوا بومباش وغريتا غرويغ (التي أخرجته)، و«أميركان فيكشن» (American Fiction) كتابة وإخراج كورد جيفرسون، و«أشياء مسكينة» (Poor Things) لتوني مكنمارا، و«منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest) لجوناثان غلازر.
الاهتمامات بطبيعة الحال مختلفة، لكن ببعض الإمعان نكتشف أن هناك خطوطاً تلتقي فيها بعض هذه السيناريوهات مع بعض آخر؛ مثل لقاء «أوبنهايمر» مع «منطقة الاهتمام» في أن كليهما يتناول تاريخاً يخصّ اليهود، ينتقل كل منهما بين أزمنة مختلفة (لكن على نحو مختلف أيضاً). ثم مثل أن هناك تعليقاً اجتماعياً في «باربي» و«أميركان فيكشن» على الرغم من أن قيمة التعليق في «باربي» محض ترفيهية يلتزم بها الفيلم لأنه يحتاج إلى حبكة ما بعد الانتقال من عالم باربي إلى المجتمع البشري (قبل العودة منه)، بينما هو تعليق أساسي يدور عليه فيلم «أميركان فيكشن» كاملاً وينصّ على شخصية الكاتب الأفرو-أميركي (جيفري رايت) الذي يشهد تمنّع دور النشر عن شراء روايته الجديدة فيحاول الاستجابة لما هو مطلوب منه وهو أن يكتب عن البيئة الاجتماعية الأفرو-أميركية حتى ولو اضطر للتنميط.
«أميركان فيكشن» هو أكثر السيناريوهات المذكورة رغبةً في التعبير عن الفرد والمجتمع، مستوحياً مادته من رواية وضعها برسيڤال إيڤرَت، وقام المخرج كورد جيفرسون بكتابتها (كما هو حال كل السيناريوهات في هذا القسم باستثناء «أشياء مسكينة» الذي لم يكتبه المخرج يورغوس لانثيموس، بل وضعه توني مكنمارا عن رواية لألاسدير غراي).
ما هو آسرٌ في سيناريو جيفرسون، إلى جانب الموضوع الذي يجسد وضع الكاتب الأفرو-أميركي في دوامة دور النشر، ذلك الحوار المحدّد والسريع كما في المشهد الذي يتلقّى فيه الروائي مونك (جيفري رايت) هاتفاً من عميله الذي يخبره بأنه وجد دار نشر لكنها تطلب من الكاتب ما هو مختلف عمّا كتب:
• العميل: يريدون كتاباً أسود.
– مونك: لديهم ما يطلبونه؛ أنا أسود وكذا كتابي.
• العميل: تعرف ما أعنيه.
– مونك: تعني أنهم يريدون قصّة شرطي يقتل مراهقاً، أو عن أُم في (منطقة) دورشستر تحاول تنشئة خمسة أولاد.
• العميل: دورشستر الآن يسكنها بيض، لكنْ نعم.
بصرف النظر عمّا سيلي، هذا المشهد الذي كتبه وصوّره المخرج متقاطعاً بين مونك يقف في الشارع وعميله وراء مكتبه، هو حجر الأساس في تحوّل اتجاه مونك مضطراً من كاتب يكتب كما يكتب المؤلّفون البيض إلى آخر عليه أن يعود إلى الجحر الذي خرج منه.
قتلة غائبون
يعكس ما سبق فرصاً شبه متساوية لكيف ستنتهي المنافسة في مجال السيناريو المقتبَس:
إذا ذهبت غالبية الأصوات لفيلم عميق المغزى ويتعامل مع المجتمع الأميركي فإن الأوسكار سيذهب إلى «أميركان فيكشن».
«باربي» سينالها إذا ما شعر المقترعون بأنهم حرموه من أوسكار أفض فيلم (حيث يسود «أوبنهايمر») فيقررون نوعاً من التعويض. كذلك هناك من بينهم من يعتقد أن السيناريو جيّد، لكنه -بالحكم عليه بعد قراءته- لا يقل فوضى عن «باربي».
«منطقة الاهتمام» مهم في نطاقه الخاص لأنه يتحدّث عن الهولوكوست، لكنّ هناك شعوراً لدى المتابعين بأنه لا يحمل النسيج الجديد الذي حمله، ذات مرّة، «قائمة شندلر» (كلاهما يتعامل مع مسيحيين حيال الهولوكوست).
كذلك من غير المتوقع أن يفوز «أشياء مسكينة» بهذه الجائزة. بالمقارنة بينه وبين «أوبنهايمر» هناك انتقال بين الأزمنة، لكنَّ فيلم نولان يتميّز -كسيناريو- بأنه يتصدّى لشخصية ولموضوع أهم وأن انتقالات السيناريو عبر الأزمنة أكثر حِرفية وأقل وضعاً وصفياً، كما هو الحال مع «أشياء مسكينة».
يُلاحَظ كذلك غياب سيناريو «قتلة زهرة القمر» (وضعه إريك روث ومارتن سكورسيزي) عن هذه المسابقة، ولو أنه في عداد السيناريوهات المتنافسة في «نقابة كتّاب السيناريو» التي ستقيم حفلة توزيع جوائزها في 14 من الشهر المقبل.
سذاجة عاطفية
السيناريوهات المدرجة في سباق أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما، هي: «حياة ماضية» (Past Lives)، و«مايسترو» (Maestro)، و«تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall)، و«المستمرون» (The Holdovers)، و«ماي ديسمبر» (May December).
أول ما نلاحظه هنا هو أن التحديات الكبيرة التي لا بدّ أنها صاحبت تحويل الأعمال المقتبَسة إلى سيناريوهات، تختلف وتقلّ في هذا القسم.
بعض ذلك يعود إلى أن كتابة سيناريو غير مقتبَس يمنح الكاتب حرية التوجه منفرداً في الاتجاه الذي يتخيّله هو. بذلك هو الكاتب الأصلي الذي لم يعتمد على كاتب آخر أو مصدر سابق (مسرحية أو رواية أو شركة دمى، مثل «باربي»).
الملاحظة الثانية أن الحب كوّن لُبّ اهتمام ثلاثة سيناريوهات من هذه المذكورة. الحب (أو عدمه في الواقع) في كنه «تشريح سقوط» (وضعت المخرجة جوستين ترييه السيناريو مع آرثر هاراري)، وفي لُبّ «مايسترو» (كتابة جون سنجر، والمخرج برادلي كوبر)، و«حياة ماضية» الذي وضعته سيلين صونغ.
سيناريو هذا الأخير يحمل كتابة تعكس خبرة محدودة في فن الكتابة. هو الفيلم الأول لمخرجته ونتيجته على الشاشة، من زاوية تقنية، أفضل من تلك المكتوبة، لكنّ الفيلم بأسره، وبصرف النظر عن الاحتفاء الكبير الذي حازه في الغرب، عاديّ الحرفة في مجموعه ويستند إلى فكرة وحبكة ساذجتين في الحقيقة.
شيء من هذا نراه في «مايسترو» أيضاً. الكتابة منصرفة لتوفير غطاء وردي اللون حول موسيقار وضع موسيقاه لأكثر من 100 فيلم هوليوودي (من مختلف المستويات) اسمه ليونارد برستين. الوجهة التي يتخذها السيناريو تبجيلية طوال الوقت؛ مما يعني أن الكاتبين لم يسمحا بوجود أي نقاط سوداء فعلية في حديثهما عن الموسيقار، متّكلَين (لحد الملل) على حكاية حبّه للمرأة التي تزوّج منها (فيليسيا مونتليغر، كما تؤدّيها كاري موليغن).
فيلم تود هاينز «ماي ديسمبر» أفضل هذين الفيلمين المذكورين كتابةً (سامي بورس وأليكس ميكانِك). يغزلان حكاية تحتاج إلى مهارة حول امرأتين واحدة ذات ماضٍ كان محط اهتمام الإعلام قبل سنوات عدّة (تؤديها جوليان مور) والأخرى ممثلة (نتالي بورتمن) ستلعب شخصية الأولى في فيلم سينمائي مقبل وتصل إلى منزل المرأة الأولى لكي تقابلها وتتعرّف عليها تمهيداً لدورها.
لكنّ السيناريو يخلو من المفاجآت، مما يدفع المخرج لتقديم مشاهد وصفية وليست حدثية متتابعة. ما يؤدي إليه مشهدٍ ما هو الدخول في كنف مشهد آخر بينما يبقى ما تحت خط المعالجة على النحو نفسه.
في الحسبان إذاً أن التنافس في هذا المجال هو بين «المستمرون» و«تشريح سقوط».
ميزة ومشكلة
ميزة سيناريو جوستين ترييه هو إصرار مسبق على تحاشي مطبّات أفلام المحاكم قدر الإمكان. مهمّةٌ صعبة لأن الفيلم، مهما اقترب أو ابتعد، هو فيلم قائم على مشاهد محكمة يستمد من المتهمة بقتل زوجها قوّة مضمونه.
نقطة ضعفه ليست في نوعية الحوار بل اضطرار السيناريو للإكثار منه. في الواقع يبدأ الفيلم به (مقابلة صحافية مع بطلة الفيلم ساندرا). القيمة في حوار هذه المقابلة هو الإيحاء بالمزج بين الحقيقة والخيال، مثل أن تقول لها الصحافية: «بالنسبة إليه حتى الخيال يحتاج إلى معايشتك للواقع».
تبعاً لقراءة الصحافية لعالم ساندرا سيتتبَّع السيناريو أحداثاً يختلط فيها الواقع مع الخيال، وهو محور الفيلم. ساندرا تحاول تأكيد أنها تفصل بين الخيال والواقع (تقول للصحافية: «حال أبدأ الكتابة أنسى حياتي. إنها حياة مملة»).
مشكلة الفيلم (السيناريو والتنفيذ) أن كل شيء مرتّب للغاية. بدوره لا يحتوي على إجابات فعلية ولأنه يرفض أن يطرق باب نوعٍ محدد فإن ذلك يجعله طائراً في الهواء.
رغم هذا، فإن حظوظه هنا لا بأس بها كذلك في نطاق أفضل فيلم عالمي (أجنبي).
يبقى «المستمرّون» الذي بعد قراءة السيناريو كاملاً. يدرك القارئ مكامن اهتمامات المخرج ألكسندر باين من خلال تلك الحكاية التي تسرد قصّة الأستاذ الذي لا يطيقه طلابه، والذي يُفرض على بعضهم قضاء عطلة الميلاد معه في المدرسة. تبادُل وجهات النظر بينه وبين أحد هؤلاء الطلاب هو تبادُل مواقف لكنْ لا السيناريو ولا الفيلم يطرحان هذا الوضع بطريقة سهلة. ليست المسألة هي فعل ورد فعل، بل يمشي كل منهما بعيداً في نهاية السيناريو والفيلم كذلك، مع قَدرٍ أفضل من المعرفة لكن من دون تغيير كبير في السلوكيات.
مكتوب بسلاسة وبمرح تماماً كما الفيلم في حقيقته.
موقع كتاكيت موقع منوع ننقل به أخبار ومعلومات مفيدة للمستخدم العربي. والمصدر الأصلي هو المعني بكل ما ورد في مقال أيام على الأوسكار… تنتقل بين الواقع والخيال وبعض الأزمنة
اكتشاف المزيد من موقع كتاكيت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.